قال
ليث بن عمرو، أنه سمع قيس بن ذريح يقول ليزيد بن سليمان: هجرني أبواي، إثنتي عشرة سنة،
أستأذن عليهما، فيرداني، حتى طلقتها.
ثم قال
قيس بعد فراقه لبنى:
وفارقت لبنى ضلّة فكأنني قُرِنتُ إلى العَيّوق ثم هويتُ
فيا ليت أني متّ قبل فراقها وهل تَرْجِعَنْ فَوْتَ القضيةِ ليتُ
فصرت وشيخي كالذي عَثَرَتْ به غداة الوغى بين العُدَاة كُمَيْتُ
فقامت، ولم تُضْرر هناك سَوِية وفارسُها تحت السنابك مَيْتُ
فإن يكُ تهيامي بلبنى غوايةً فقد، ياذُريح بن الحُبَاب، غَوَيْتُ
فلا أنت ما أَمَّلْتَ فيَّ رأيتَهُ ولا أنا بلبنى والحياةَ حَوَيْتُ
فَوَطِّنْ لِهُلْكي منك نفساً فإنني كأنك بي قد، ياذُريح، قَضَيْتُ
فلما
أزمعت لبنى الرحيل بعد العدة جاء وقد قوض فسطاطها فسأل الجارية عن أمرهم فقالت سل لبنى
فأتى إليها فمنعه أهلها وأخبروه أنها غداة غد ترحل إلى أهلها فسقط مغشياً عليه، فلما
أفاق وأنشد:
وإني لمفن دمع عيني بالبكى حذار الذي قد كان أو هو كائن
وقالوا غداً أو بعد ذاك بليلة فراق حبيب لم يبن وهو بائن
وما كنت أخشى أن تكون منيتي بكفيك إلا أن ما حان حائن
وتبعها
حين ارتحلت ينظر إليها، فلما غابت رجع يقبل أثر بعيرها، فليم على ذلك فأنشد:
وما أحببت أرضكم ولكن أقبل أثر من وطئ الترابا
لقد لاقيت من كلف بلبنى بلاء ما أسيغ له الشرابا
إذا نادى المنادي باسم لبنى عييت فلا أطيق له جوابا
ولما
أجنه الليل أوى إلى مضجعه فلم يطق قرار فجعل يتململ ويتمرغ في موضعه ويقول:
بت والهم يا لبينى ضجيعي وجرت مذ نأيت عني دموعي
وتنفست إذ ذكرتك حتى زالت اليوم عن فؤادي ضلوعي
يا لبنى فدتك نفسي وأهلي هل لدهر مضى لنا من رجوع
فوطن
البيت، ولما اشتد شوقه وزاد غرامه أفضى به الحال إلى مرض ألزمه الوساد واختلال العقل
واشتغال البال، فلام الناس أباه على سوء فعله فجزع وندمع وجعل يتلطف به، فأرسل له طبيباً
وقينات يسألون عن حاله ويلهونه، فلما أطالو عليه أنشد:
عند قيس من حب لبنى ولبنى داء قيس والحب صعب شديد
فإذا عادني العوائد يوماً قالت العين لا أرى من أريد
ليت لبنى تعودني ثم أقضي أنها لا تعود فيمن يعود
ويح قيس لقد تضمن منها داء خبل فالقلب منه عميد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق