وكان قيس أبر الناس بأمه، فألهته لبنى وعكوفه عليها عن بعض ذلك، فوجدت أمه في نفسها،
وقالت: لقد شغلت هذه المرأة ابني عن بري.
ولم تر للكلام موضعاً حتى مرض قيس مرضاً شديداً، فلما برئ،
قالت أمه لأبيه: لقد خشيت أن يموت قيس ولم يترك خلفاً، وقد حرم الولد من هذه المرأة، وأنت ذو مال، فيصير مالك إلى الكلالة، فزوجه غيرها، لعل الله عز وجل يرزقه ولداً، وألحت عليه في ذلك.
فأمهل ذريح حتى اجتمع قومه، ثم قال له: يا قيس، إنك اعتللت هذه العلة ولا ولد لك، ولا لي سواك، وهذه المرأة ليست بولود، فتزوج إحدى بنات عمك لعل الله أن يهب لك ولداً تقر به عينك وأعيننا.
فقال قيس: لست متزوجاً غيرها أبداً.
فقال أبوه: يا بني، فإن مالي كثير، فتسر بالإماء. فقال: ولا أسوؤها بشيء أبداً.
قال أبوه: فإني أقسم عليك إلا طلقتها. فأبى، وقال: الموت- والله- أسهل علي من ذلك، ولكني أخيرك خصلة من خصال. فقال: وما هي ؟ قال: تتزوج أنت، فلعل الله عز وجل أن يرزقك ولداً غيري. فقال: ما في فضل لذلك. قال: فدعني أرحل عنك بأهلي، وأصنع ما كنت صانعاً، لو كنت مت في علتي هذه
. فقال: ولا هذا. قال: فادع لبنى عندك، وأرتحل عنك إلى أن أسلوها، فإني ما تحب نفسي أن أعيش، وتكون لبنى غائبة عني أبداً، وأن لا تكون في حبالي. فقال: لا أرضى بذلك، أو تطلقها، وحلف لا يكنه سقف بيت أبداً، حتى يطلق لبنى.
وكان يخرج فيقف في حر الشمس، ويجيء قيس فيقف إلى جانبه، فيظله بردائه، ويصلى هو بحر الشمس، حتى يفيء الفيء عنه، وينصرف إلى لبنى، فيعانقها، ويبكي، وتبكي معه.
وتقول له: يا قيس، لا تطع أباك، فتهلك، وتهلكني معك. فيقول لها: ما كنت لأطيع أحداً فيك أبداً. فيقال: إنه مكث كذلك سنة، ثم طلقها لأجل والده، فلم يطق الصبر عنها.
قال ابن جريج: أخبرت أن عبد الله بن صفوان لقي ذريحاً أبا قيس، فقال له: ما حملك على أن فرقت بين قيس ولبنى، أما علمت أن عمر بن الخطاب، قال: ما أبالي فرقت بين الرجل وامرأته، أو مشيت إليهما بالسيف.
وروى هذا الحديث، إبراهيم بن يسار الرمادي، عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال: قال الحسين بن علي رضي الله عنهما لذريح بن سنة، أبي قيس: أحل لك أن فرقت بين قيس ولبنى، أما أني سمعت عمر بن الخطاب، يقول: ما أبالي فرقت بين الرجل وامرأته، أو مشيت إليهما بالسيف.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق